موقع يهتم بالفن والادب

mercredi 5 février 2014

15:26 Posted by Unknown 1 comment Posted in
Posted by Unknown on 15:26 with 1 comment | Categories:
تقديم:
إذا كانت اليونان القديمة هي مكان نشأة الفلسفة كنمط من التفكير العقلاني المنطقي، فإن هذه النشأة لم تكن وليدة الصدفة، بل كان من ورائها عوامل متعددة، متداخلة ومتكاملة فيما بينها، وأبرزها أبرزها عامل الحرية والذي تحدث عنه الفيلسوف الألماني فريديريك هيغل "1770-1831" بقوله:"إن وجود الفلسفة مشروط بوجود الحرية، والوعي بأهميتها، فالشعب الذي تبدأ الفلسفة عنده يجب أن تكون الحرية مبدأه". والحرية لا تسود مجتمعا إلا بسيادة الديموقراطية "كله" عمده لنظام سياسي واجتماعي، إذ توفرت هذه العوامل للمجتمع اليوناني في القرن 6 قبل الميلاد، فتوفرت بذلك أحد الشروط الأساسية لظهور الفلسفة. وكان ذلك إعلانا  بميلاد مجتمع جديد متحرر من هيمنة الأسطورة والأنظمة الديكتاتورية، منفتح على ثقافة العقل والمنطق، والتي كان علم للرياضيات الذي طرح مع طاليس" 640-562" قبل الميلاد، الدور الأساسي في هذا المجال حين أمد الفلسفة بآليات اساسية للبرهنة والاستدلال.
المحور1:نشأة الفلسفة
لقد عبر المفكر الفرنسي المعاصر جان بيير فيرنان في كتابه "الأسطورة والمجتمع الإغريقي" عن هذا الاقتران بين دمقرطة الحياة السياسية والثقافية في اليونان القديمة وظهور الفلسفة كتفكير عقلاني منطقي من خلال قوله:" لقد ترتب عن هذا الاقتران بين إشاعة السلطة والثقافة نتائج كان لها أثر حاسم في تطوير الأفكار في اليونان، لقد سارت المعارف والتقنيات الذهنية التي كانت بهذا القدر أو ذاك أسرار محروسة بعناية من قبل أسر معينة، لقد صارت بعد إذا معروضة أمام الجميع وفي واضحة النهار وصارت قواعد العمل السياسي، الاشتهار والنقاش العمومي الحر والمحاجة". قواعد الفكر ولم تعد الحقيقة سرا غيبيا، لقد صارت النظريات والمذاهب تكشف ويصرح بها وتخضع للنقد والمناظرة وتعطى لها صورة استدلالية برهانية.
وانتشار الوعي والحرية إذا على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي بشكل عام، كان له الأثر الفعال في خلق تربة خصبة لنشوء فكر فلسفي يقوم على إقناع العقل، الإقناع العقلي والمحاجة، وإزاحة الأسطورة "ميتوس"، جانبا في النظر إلى الطبيعة والإنسان والحياة أو كما عبر عن ذلك المفكر الفرنسي François chatelet "ما أن ظهر اللوغوس على مسرح الثقافة الإغريقية حتى بدأت الآلهة الأسطورية بالرحيل".
فلم تعد الأساطير الإغريقية التي اختزلها هوميروس Homère في  ملحمتيه "الإلياذة والأوديسة" من جهة وهيزيود Hésiode في كتابه "انتساب الألهة"، من جهة ثانية، بقادر على استيعاب وتفسير المتغيرات الجديدة في المجتمع اليوناني، فظهور الفلسفة لدى اليونان لم يكن إذا صدفة بل كانت من ورائه أسباب متعددة منها ما هو فكري، أسطوري، علمي، ومنها ما هو مادي اقتصادي، سياسي واجتماعي.
فارتباط ميلاد الفلسفة بمكان جغرافي محدد وهو: اليونان وبزمان محدد القرن 6و7 قبل الميلاد، يجد أساسه فيما عرفه هذا المجتمع في تلك الحقبة الزمنية التاريخية، من تقدم اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي، تجاور بفضله باقي المجتمعات وتميز عنها، وبذلك حق له أن يكون الموطن الأول والأصلي لنشأة الفلسفة.
وتبدو مظاهر هذا التقدم واضحة فيما عرفته نظرة الفرد اليوناني إلى الطبيعة ومكوناتها من تطور نوعي جمع بين التجريد والنظرة الكلية الشمولية للعالم، كتحولين في الوعي والتفكير عبر عن نفسيهما من خلال أسئلة طرحها الإنسان اليوناني من قبيل: ما أصل الكون؟ وما مصيره؟ وهي أسئلة فتحت الطريق لميلاد تفكير جديد يجعل اسم "الفلسفة" باعتبارها محبة للحكمة وابتغاء للمعرفة من أجل ذاتها لا لمنفعة عملية، وأيضا من خلال ما عرفه المجتمع على المستوى الاقتصادي من اتساع المبادلات التجارية وتحقيق فائض إنتاج مهم نظرا للموقع الجغرافي لليونان كممر أساسي للقوافل التجارية بين آسيا من جهة وأوربا وأفريقيا من جهة أخرى، وكذلك على المستوى الاجتماعي تجلى في ظهور وانتشار الحياة المدنية المتحضرة وانقسام المجتمع إلى طبقات اجتماعية ترتب عنه تقسيم للعمل إلى عمل يدوي "العبيد" وعمل فكري "طبقة الأسياد". وكذلك على المستوى السياسي سيبدو التقدم في تطور نظام الدولة والحكم من خلال اعتماد نظام الدولة- المدينة، وأدى ذلك إلى انتشار الحياة الديموقراطية التي تبرز أهمية الفرد وتمتعه بحريات واسعة أهمها حقه في التعبير عن آرائه ومواقفه وأفكاره. وكانت )ألأغوارا( وهي الجمعية العمومية أو الساحة التي كانت مسرحا للاجتماعات من أجل مناقشة مختلف القرارات التي تتعلق بتسيير وتدبير قضايا الشأن العام في المدينة اليونانية.
إن هذا التطور المجتمعي الحضاري الذي حصل في المجتمع اليوناني، كان لابد أن يرافقه تطور فكري ثقافي، ستكون من أهم نتائجه ظهور الفلسفة، والتي لم يتم لها ذلك إلا من خلال تحطيم كل البداهات حول العقل والمعرفة والكون والإنسان وحول الحكمة بذاتها أي من خلال إبراز عدم يقينية التصورات السائدة لدى عامة الناس وضرورة بناء تصورات عقلية جديدة، ولم يكن بإمكان الفلسفة أن تؤسس ذاتها كخطاب شمولي جديد الا من خلال مواجهتها العنيفة لنوع من الفكر كان سائدا في اليونان القديمة: وهو الفكر الأسطوري والتصورات الوثنية والتي كان الإنسان يفسر من خلالها العالم وعلاقته بظواهره وباستنادها على البرهان والاستدلال العقلي المنطقي، ساهمت الفلسفة في تحقيق غني ثقافي للمجتمع اليوناني.
 فظهور الفلسفة إذا كان وليد الدهشة والانبهار الذي تثيره عظمة ظواهر الطبيعة في ذهن الإنسان، هذه الدهشة تحولت إلى تساؤلات ستجد إجاباتها في الفكر الفلسفي التجريدي.
خلاصة حول نشأة الفلسفة:
ü العامل الاجتماعي: لقد كان لتقسيم العمل إلى عمل فكري تختص به طبقة الأسياد وعمل يدوي تختص به طبقة العبيد نتائج مهمة في بروز الفكر الفلسفي باختصاص الأسياد في تأسيس مدارس للمعرفة والعلم أدى إلى نبوغ النواة الأولى لفلاسفة الطبيعة الذين أخذوا مشعلا للتوفيق بين العلم والفلسفة.
ü العامل الاقتصادي: حيث ازدهرت الحركة التجارية في مختلف المدن اليونانية بحكم موقعها كممر تجاري مهم، وهذا أدى إلى جعل هذه المدن خصوصا اثينا وميلي مراكز فكرية وثقافية مهمة.
ü العامل الثقافي: يتجلى في ظهور خطاب جديد يقوم على الحوار والإقناع العقلي ويتميز بالنظام والانسجام "اللوغوس" في مقابل خطاب شفوي سردي للقصص والحكايات، يتميز بالفوضى وتتعدد الألهة "الميتوس".
ü العامل السياسي: يتجلى في ظهور نظام سياسي جديد منفتح وديموقراطي يتجلى في نظام، الدولة المدينة، والذي يقوم على دمقرطة الحياة السياسية حيث لم تعد السلطة والسيادة، حكرا على شخص معين :"Monarohie" أو  في يد أقلية محظوظة من المواطنين: "Oligarchie" بل أصبح مشاعا ومشتركا بين الجميع " domocratie".

1 commentaire:

Blogroll

About