تقديم:
لقد اهتم الباحث
السوسيولوجي المغربي "بول باسكون " بمجالات معرفية متعددة ،إذ أن أعماله
شملت مجموعة من الظواهر الاجتماعية والسياسية والزراعية،كما انه درست مختلف الأنساق
والبنيات داخل المجتمع المغربي ،خاصة المجتمع القروي.ومن بين المواضيع والظواهر السياسية
التي قاربها بول باسكون ،نجد ظاهرة
القائدية.يشكل شخص القائد محور اهتمام هذا المقال ،ليس كشخص محدد،بل كظاهرة عرفها
المغرب خلال القرن التاسع عشر.
مصدر المقال: لقد
اعتمدت في دراستي لمقال بول باسكون على
النسخة المنشورة في مجلة "lamalif" ،عدد 120 ،نونبر 1980،ص ص:24-28
قراءة في عنوان
المقال:
لقد جاء عنوان هذا
المقال على شكل سؤال استفهامي حول القائد في المغرب ،ويقيم العنوان نوعا من
التقابل بين نظام القائدية في المغرب
والنظام الفيودالي بأوربا.وتحيل صيغة العنوان إلى أن صاحبه يسعى إلى تصحيح
مغالطة حول الموضوع.وهو ما حاول صاحب المقال تأكيده من خلال سعيه عبر صفحات المقال
على إبراز الخصوصية المغربية في نظام تدبير الشؤون المحلية،أو ما يسمى بالقائدية.
المنهج المعتمد في
مقاربة الموضوع:
اعتمد بول باسكون
المنهج المقارن من اجل دراسة الموضوع ،وذلك من خلال نوعين من المقارنة:
1-مقارنة
داخلية تتجلى في دراسته لظاهرة القائدية
في المغرب من خلال نماذج متعددة تغطي مجالات متعددة من المجال المغربي مثل الحوز
والغرب...
2-مقارنة خارجية
تتجلى في مقارنته لظاهرة القائدية في المغرب بالنظام الفيودالي في اوربا.
مضامين المقال:
انطلق صاحب المقال
من التمييز بين موقفين اساسيين من علاقة النظام القائدي بالمغرب والنظام الفيودالي
باوربا،او بمعنى آخر،ابرز ان هناك :
1)
موقف يرى ان علاقات الانتاج التي كانت سائدة
في المغرب في القرن التاسع عشر مرتبطة
بنمط الانتاج الفيودالي مع
اختلافات بسيطة مع النموذج الاوربي.
2)
موقف آخر،يهتم اكثر بالجزئيات ويدقق في ابراز
الخصوصيات والفروقات بين النظامين الفيودالي الاوربي و نظام القائد في المغرب.
ويظهر من خلال ثنايا المقال ان صاحب المقال يدافع عن
وجهة النظر الثانية،التي ترى تمايزا بين النظامين.لقد انطلق بول باسكون من دلالة
"قائدية" من اجل ابراز هذا
الاختلاف والتي تشير الى التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية المغربية خلال القرن التاسع عشر ،وركز بحثه
خصوصا على منطقة الحوز بنواحي مراكش.
وقد ابرز مجموعة من خصائص القائدية المغربية، وميز بين
لحظات مختلفة من تاريخ هذه الظاهرة في منطقة الحوز،حيث ان القائد يتولى مجموعة من
الوظائف والمهمات مثل رئاسة القبيلة والسيادة وامتلاك السلاح والقائدية المخزنية –ممثل
المخزن- ثم القائدية العقارية،حيث يمتلك القائد اراضي شاسعة ويعمل لصالحه افراد
كثيرون دون مقابل.
وقد قدم بول باسكون مجموعة من الحجج للدفاع عن اختياره
للموقف الثاني تتجلى في :
Ø
ان تنوع النمط القائدي لايسمح بنشوء وهيكلة نظام قائدي خطي صالح لكل
زمان ومكان.
Ø
تنوع المناطق التي درس فيها بول باسكون
الظاهرة ،الحوز والغرب ووالريف و سوس ،جعلها يقف على التمايزات والمفارقات التي
تثيرها هذه الظاهرة.
Ø
اختلاف المدة الزمنية التي حكمها كل قائد.
Ø
غياب اية اعمال مادية او مؤسسات ناضجة لتأسيس
نظام صلب للتشكيلة الاجتماعية.
ومن خلال هذه الحجج ابرز صاحب المقال خصوصيات القائدية
المغربية والتي تتجلى في :
v
ان القائد في المغرب يعينه السلطان،وهذا
الاخير يستمد سلطته من مبايعة العلماء له.
v
ان استقراء تاريخ المغرب يظهر نذرة القواد
المستقلين بالقرار،عكس حالة اوربا التي نجد فيها السيد رئيسا لامارة مستقلة لايحصل على اي دعم مركزي.
v
غياب الاقنان لذى القائد في النموذج المغربي:
فرغم امتلاكه لمجموعة من العبيد وربطه خدمات اليهود بشخصه،فان هناك غيابا
لالتزامات متبادلة تربط العبد بالسيد على شاكلة النموذج الاروبي ،حيث ان
الناس بالمغرب كانوا من الناحية القانونية احرارا،وكان بامكانهم اللجوء الى المخزن للتخلص من هيمنة وبطش
القائد.
v
ان هناك امكانية لمصادرة ممتلكات
القائد،باعتبار ان تفويض السلطان للقائد لايشمل هبة الارض ،بقدر ما يتضمن فضاءا
ضريبيا فيه الجباية باسم بيت المال،فالقائد ينتمي الى سلك موظفي المخزن الذي
بامكانه نقله الى اي مكان شاء.
v
ان بين النظامين اختلافا في اشكال العلاقات
الاجتماعية بين النموذجين،اذ ان الارض في
النموذج المغربي تمتلكها الجماعة –القبيلة-
او الدولة ،في حين يمتلكها الاقطاعيون في النموذج الاوربي.
وقد كانت مناقشة
هذه الاختلافات بين النظامين مناسبة قدم فيها باسكون تفسيره او تأويله لبعض
الدراسات التي تناولت الموضوع والتي اشتغلت على نماذج جاهزة وحاولت اسقاطها على
المغرب ،خصوصا نظرية كارل ماركس التي تتحدث عن نمط الانتاج الاسيوي،وقد انتقد بول
باسكون اي محاولة لتكييف الحالات لملاءمة نماذج مثل هذه،وفسر ذلك بان مثل هذه
الدراسات تستند على خلفيات ايديولوجية،او بمعنى آخر ان مثل هؤلاء الباحثين يلبسون
العلم لباس الايديولوجية.
وقد كان هذا
النقاش مناسبة حاول من خلالها صاحب المقال التعبير عن موقفه من علاقة الايديولوجية
والعلم،اذ حاول رسم الحدود بينهما ،لكنه لم يستطع ذلك ،يظهر ذلك من خلال
قوله:"فأقول ان الامر لايتعلق بعلمين
بل بخطابين ايديولوجيين لايتوقفان عن تغذية
ارائنا المسبقة ومفترضاتنا التي
يجب الدفاع عنها باستمرار للحفاظ على توتر
الجهد والشك."وفي هذا القول اشارة ضمنية الى وظيفة الايديولوجية داخل
العلم،فهي حافز على الشك والنقد وبذل الجهد من اجل استمرار البحث او لرفض اطروحة
الآخر،وهذا موقف قد حسمه كارل ماركس نفسه قبل
بول باسكون في كتابه "رأس المال" وتراجع عن موقفه السلبي من
الايديولوجية الذي سبق ان عبر عنه في كتابه "الايديولوجية
الالمانية".واعتبر ماركس في مرحلة شيخوخته ان الطبقة العاملة "البروليتاريا " بدون
ايديولوجية لن تستطيع تحقيق الثورة التي
هي اساس التصور الماركسي للتغيير.
لقد قدم بول
باسكون دراسات للباحث الفرنسي "روبير مونتاني" من اجل ابراز حضور
الايديولوجية في العلم من خلال التمييز
بين عمليين من اعماله،فاذا كان كتابه او بالاحرى اطروحته"البربر والمخزن
" بمثابة الكتاب الذي وصفه بول باسكون انه جمع كما هائلا ومفيدا من المعلومات لمعرفة
منطقة الاطلس،رغم تحفظه على بعض مضامينه، واعتبر هذا الكتاب اساسيا،يغلب
فيه الطابع العلمي الطابع الايديولوجي،فقد ابرز بول باسكون ان نفس الكاتب –روبير
مونتاني- في مؤلف آخر وهو " الثورة في المغرب" يظهر بوجه آخر .وقد فسر
صاحب المقال هذا الاختلاف في منهجية اشتغال مونتاني بحضور الهدف الايديولوجي بقوة في الكتاب الثاني
فالهدف الايديولوجي للكاتب جعله يحدد منهج الاشتغال.
ان مثال دراسات
روبير مونتاني اتلذي انطلق منه باسكون
للتأكيد على موقفه هو مثال مناسب باعتبار ان دراسة مونتاني للجنوب المغربي ركز على علاقة
السلطة بالقبائل والتي يشكل القائد محورها،والهدف من استعمال هذا المثال تؤكد صعوبة التمييز بين الايديولوجي
والعلمي،وكنتيجة على ذلك فدراسة الظاهرة القائدية في المغرب تحكمها دوافع
ايديولوجية اكثر منها علمية الهدف منها استمالة القياد الى جانب المستعمر الفرنسي.
خلاصة واستنتاج:
لقد انطلق بول
باسكون من عدة تماذج من القياد في المغرب
كأرضية من اجل الوصول الى الموقف
الذي تبناه ودافع عنه بخصوص ظاهرة القائدية في المغرب ،والذي مفاده ان هناك تمايزا
واختلافا بين نظام القائدية بالمغرب والنظام الفيودالي بأروبا.وبالا ضافة الى ذلك
فقد اظهر تجربة منهجية لايستهان بها في مجال السوسيولوجية المغربية ،خاصة وان
دراسات بول باسكون كانت من بين الدراسات
السوسيولوجية الاولى بالمغرب التي حاولت مقاربة العديد من الظواهر
الاجتماعية ،لكن ذلك لايعني ان المقاربة
التي اعتمدها صاحب المقال لاتخلو من صبغة
ايديولوجية ،فرغم انتقاده لبعض الدراسات التي تناولت المجال المغربي بانها ذات توجه ايديولوجي كدراسة "الثورة في المغرب " لروبير
مونتاني ، فان بول باسكون ايضا تأثر
باديولوجية الحزب الشيوعي الذ كان ينتمي اليه ويدافع فكريا عن انماط تحليله للواقع
السياسي المغربي ، وذلك من خلال تركيزه على دراسة ظواهر بعينها كالجنس والتذخين والمخدرات .
انجاز: لحسن الصديق
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire